تابعنا
Facebook IconTwittter IconInstagram Icon

يوم بداخل خيمة أسرة نازحة في اليمن

بابتسامة عريضة، استقبلتني أم أصيل وزوجها في خيمتهم الصغيرة التي بالكاد تتسع لأفراد الأسرة الخمسة.

سرير وخزانة ملابس مهترئة وبعض الملايات والفرش هو ما تملكه الأسرة، إلى جانب بعض الأدوات المنزلية اللازمة للطبخ، وتلفاز لا يعمل.

يجلس محمد الحرازي (الزوج - في العقد السابع من عمره) على فراشه، ويستعيد ذكريات نزوحهم من محافظة الحديدة (غربي اليمن)، هربا من جحيم الحرب.

يقول الحرازي الذي بدى على جسده الوهن والتعب "تركنا كل شيء خلفنا لم نحمل سوى بعض الملابس والذكريات".

لمحة عن الفقر والصمود داخل خيمة أصبحت منزلاً بعد سنوات من الحرب

نزحت أسرة الحرازي، من منزلها الكائن في حي البيضاء الواقع بالقرب من ميناء الحديدة، إلى مدينة باجل في المحافظة ذاتها، إلا أن القصف العنيف لمقاتلات التحالف السعودي الذي طال مدينة باجل حينها وأسفر عن مقتل عدد من أقاربهم، أجبرهم على النزوح مجددا ولكن هذه المرة إلى العاصمة صنعاء.

منذ أكثر من أربع سنوات نعيش هنا، يقول الحرازي "افترشنا العراء هنا لعدة أشهر وعشنا بداخل هيكل سيارة متهالكة في هذا الحي (شارع سقطرى) إلى أن وفرت لنا فاعلة خير هذه الخيمة".

بجانب الخيمة  قامت أسرة الحرازي ببناء دورة مياه صغيرة ببعض الحجارة محاولة تأمين الخصوصية لها وحفرت حفرة صغيرة بداخلها لقضاء الحاجة.. كلما امتلأت الحفرة تقوم الأسرة بإفراغها يدويا إلى مكان بعيد.

تحديات يومية تواجهها أسرة الحرازي، بدءا من البحث عن الماء والطعام، إلى محاولة الشعور بالاستقرار والأمان في مكان لا يوفر لهم شيء.

تقول أم أصيل "نستيقظ كل يوم في الساعة السابعة صباحا .. يذهب زوجي أو أحد ابنائي إلى فاعلي الخير للحصول على "الكدم" (نوع من أنواع المخبوزات التقليدية) ويعودوا إلى الخيمة لنفطر سويا".

وتضيف "نحصل على عشرين كدمة يوميا تكفينا لوجبتي الفطور والغداء، إن توفر لدينا السكر نأكل كدم وشاي وإذا لم يتوفر نأكل كدم وماء وأحيانا نحصل على قيمة زبادي".

في الغالب تقول أم أصيل، "ننام دون وجبة عشاء، واشعر بألم في قلبي عندما أسمع جملة أنا جائعة من إحدى بناتي".

تجمع أم أصيل قنينات الماء الفارغة وتقوم ببيعها، وتجني بعض في بعض الأيام 500 ريال ( أقل من دولار)، وهي المعيل الوحيد لأسرتها.

"زوجي رجل متقاعد يعاني من ألم في العمود الفقري، وولدي الكبير لم يجد أي عمل، وأبنتي الصغيرة تدرس في الصف الثاني ابتدائي، وأبنتي الكبيرة في الصف الثاني ثانوي وتعاني من مرض في صمام القلب"، هذه الأسباب التي أجبرت أم أصيل على العمل حد وصفها.

وتتابع "حتى مرتب زوجي التقاعدي منقطع كحال موظفي الدولة في هذه البلاد، فقط نحصل كل عام على نصف راتب 25 ألف ريال يمني (نحو 50 دولار)".

كانت أسرة الحرازي تحصل إلى جانب نازحين آخرين على بعض المساعدات من المنظمات الإنسانية، كيس طحين، وسكر، وعلب فاصولياء، إلى أن تلك المساعدات توقفت حد قولها منذ نحو عامين.

ويواجه العمل الإغاثي في اليمن عدة تحديات، من بينها التراجع الحاد في تمويل العمليات الإنسانية، إضافة إلى القيود التي تفرضها أطراف الصراع، لا سيما جماعة الحوثي المسيطرة على المناطق ذات الكثافة السكانية من بينها صنعاء والحديدة.

ونتيجة لاستمرار العجز المالي في تمويل العمل الإنساني، وجهت 188 منظمة أممية وإنسانية في مطلع شهر مايو 2024، نداء للمانحين لتقديم الدعم المستمر لـ18.2 مليون شخص محتاج في اليمن، بما في ذلك 14 مليون إمرأة وطفل.

"يا دولة غيري علينا" رددها الحرازي حتى جف حلقه حد قوله، مضيفا "لم يمدوا لنا يد العون .. دولة فاشلة لا يهمها سوى الحرب والموت أما نحن فلا حقوق لدينا".

لا توفر الخيمة سوى القليل من الحماية ضد الطقس وتعكس الواقع القاسي للنزوح

حلم قد يتحقق

على الرغم من معاناة أم أصيل وزوجها وأبنائها الثلاثة، إلا أنهم يرفضون أن تسلب ظروف الحياة القاسية أحلامهم وأمالهم التي يطمحون إلى تحقيقها.

تفتقر خيمتهم الصغيرة أبسط مقومات سبل الراحة، لكنها تفيض بالكرم والحب. لم يكن لدى هذه الأسرة النازحة الكثير لتقدمه لي وضايفتني بكأس ماء للشرب، إلا أنني شعرت في تلك اللحظة بالراحة وكأنني في منزل مشيد.

يقول الحرازي " نحن تحت كنف الرحمن ونحمد الله على جميع نعمه".

تأمل أم أصيل (زوجة الحرازي)  أن ترى أبنائها الثلاثة في أعلى المناصب. وتقول "أنا أمية لكن أسعى كي يكمل ابنائي تعليمهم ويحصلوا على وظائف وأن يكونوا في أتم الصحة والعافية".

تصف أم أصيل شعورها وتقول "اليوم الذي أرى فيه فرحة أبنائي هو عيد بالنسبة لي..وحين أرى وجع النزوح على وجوههم اشعر وكأنني أحمل جبل أًحد على ظهري ".

ومنذ عام 2015 تقود قوات التحالف السعودي الداعم للحكومة اليمنية الشرعية، عمليات عسكرية ضد الحوثيين المتهمين بتلقي الدعم من إيران، وذلك بعد أشهر من إنقلاب الأخيرين على الدولة واقتحام صنعاء ومحافظات أخرى بقوة السلاح.

وشهدت مدينة الحديدة الساحلية وموانئها الخاضعة لسيطرة الحوثيين خلال السنوات الماضية، قصفا عنيفا من مقاتلات التحالف، مخلفا خسائر مادية وبشرية كبيرة. وقال التحالف حينها إنه استهدف مواقع عسكرية و مخازن أسلحة للحوثيين.

ومنذ نحو عامين ونصف تشهد البلاد حالة تهدئة عسكرية بين الحكومة والحوثيين، بعد ضغوط دولية وأممية.

ودخل البلاد منعطف آخر للحرب، إذ بدأ الحوثيون منذ عام بشن قصف بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة ضد إسرائيل، وصل بعضها إلى تل أبيب، وذلك "دعما ومساندة للشعب الفلسطيني" حد تعبيرهم.

ووسعت الجماعة عملياتها العسكرية لتستهدف السفن الإسرائيلية والسفن التابعة لها أو المتوجهة إليها في البحر الأحمر.

وأعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا أن هذه الهجمات تهدد البحر الأحمر بوصفه معبرا مهما للتجارة الدولية، وبدأتا في يناير 2024 تنفيذ ضربات جوية على مواقع للحوثيين، الذين ردوا باستهداف سفن أمريكية وبريطانية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن.

ومع توسع الحرب واستمرارها في البلد الأفقر على مستوى الشرق الأوسط، تواجه أسرة الحرازي إلى جانب آلاف الأسر النازحة تهديدا جديدا قد يجبرها على النزوح مجددا والهروب نحو المجهول.