يزدهر الريف اليمني خلال أيام عيد الأضحى بعديد من الطقوس التي ترسم البسمة وتزرع الألفة، وتخلق أجواءً من الفرح، رغم الظروف القاسية التي تعيشها البلاد جراء حرب مستمرة منذ نحو عقد.
وتبقى هذه الطقوس علامة بارزة يحرص عليها أبناء الريف اليمني خلال أيام العيد، في تعبير حي عن كفاح مجتمع وإصراره على صنع الفرح، وانتزاع مظاهر الحياة رغم صعوبات الواقع
تبدأ طقوس العيد في الساعات الأولى من اليوم الأول، حيث تحرص الأسر اليمنية على أداء صلاة العيد في ساحات بعيدة نسبيًا عن مراكز القرى. في بعض المناطق تُؤدى الصلاة داخل المساجد بسبب غياب الساحات المناسبة.
ويرتدي اليمنيون، خصوصًا الأطفال، ملابس جديدة تعبيرًا عن فرحتهم، بينما تبدو السعادة واضحة على وجوههم، ويشاركون بحماس في صلاة العيد في الساحات العامة.

البرع والزوامل
تُورَّث الأجيال في الريف تقاليد عريقة، منها اصطحاب آلات الدفوف الشعبية المعروفة بـ"الطاسة والمرفع".
الطاسة هي إناء نحاسي مغطى بالجلد يُصدر نغمات قوية بإيقاع محدد، بينما يصاحبه المرفع، وهو طبل ذو نغمة غليظة وثابتة. وتُؤدى على هذا الإيقاع رقصة "البرع"، وهي رقصة رجالية شعبية تختلف إيقاعاتها باختلاف المناطق.
تشكل هذه التقاليد تعبيرًا أصيلًا عن فرحة العيد وأهمية إحياء البهجة في هذه المناسبة.
يبدأ استخدام الدفوف عادة مباشرة بعد صلاة العيد، خصوصًا في القرى التي تُقام فيها الصلاة في ساحات جبلية. كما يتميز العيد بأداء "الزوامل" الشعبية؛ وهي أبيات شعرية مُلحنة يرددها المشاركون بصوت مرتفع، مع وضع اليد أو كلتا اليدين على الأذنين لتقوية الصوت.

ذبح الأضاحي وإنهاء الخصومات
بعد صلاة العيد، يحرص اليمنيون في الريف على تبادل المصافحة والعناق، حتى بين المتخاصمين، في تقليد يؤكد أهمية إنهاء الخصومات وتحقيق السلام، ولو مؤقتًا، خلال أيام العيد.
يحرص معظم سكان الريف — إن لم يكن جميعهم — على ذبح الأضاحي، سواء كانت كبشًا أو جزءًا من ثور. ويتم تقطيع اللحوم وتوزيعها خلال أيام متوالية. وفي ظل غياب خدمات التبريد، تُملح اللحوم وتُعلق في أماكن مخصصة للحفاظ عليها.
ويمثل عيد الأضحى بالنسبة لبعض الأسر فرصة نادرة لتناول اللحوم، في ظل مستويات الفقر التي تعاني منها كثير من العائلات.
الأعراس والزيارات
تحولت أيام عيد الأضحى في الريف اليمني إلى موسم لإقامة الأعراس، وهو تقليد متوارث منذ زمن طويل. ويعود كثير من أبناء القرى إلى مسقط رأسهم قبل العيد بيوم أو يومين، أو في يوم العيد ذاته، للمشاركة في هذه المناسبات.
تُزَفُّ أعداد من الشباب خلال أيام العيد، التي قد تمتد لعشرة أيام. ويحرص كثيرون على حضور حفلات الزفاف، حيث يقدم الرجال المال للعريس، والنساء للعروس، في تقليد يُعد بمثابة دعم ومشاركة اجتماعية.
ويُقيم أهل العريس مأدبة حسب قدرتهم المادية؛ البعض يذبح ثورًا أو أكثر، وآخرون يكتفون بكبش أو عدة كباش. تقدم اللحوم غالبًا مع الأرز وأطباق أخرى للضيوف. ترافق حفلات الزفاف الألعاب النارية وضرب الدفوف وأداء الزوامل.

زيارات الأرحام
تحافظ القرى اليمنية على عادة زيارة الأقارب خلال أيام العيد، وهي طقوس اجتماعية تسهم في تعزيز الروابط الأسرية.
يرافق هذه الزيارات توزيع مبالغ مالية رمزية يمنحها الرجال للأخوات والعمات والخالات، في تقليد يحافظ على قيم التضامن.
ورغم استمرار هذه الطقوس، لا يزال الريف اليمني يعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء، ومشاريع المياه، وشبكات الطرق. إلا أن هذه الظروف لم تُلغِ فرحة سكان الريف ولا صمودهم في الحفاظ على عاداتهم.