تابعنا
Facebook IconTwittter IconInstagram Icon

المخيم أم اللا مكان؟!

هناك عند أول السيل ومهد الهشاشة تولد المخيمات.

والمخيم ليس حضورا يشي بالثبات والديمومة، بقدر ما هو عبور عالق، على كل ما هو جانبي ومؤجل، في حواف المدن ومطالع الصحراء.

وكانت بيداء الجفينة المترامية على أطراف مدينة مأرب حقل ألغام، وفكرة مشروع صرف صحي لفضلات المدينة، بتمويل كويتي، قبل أن تغدو بفعل تحولات الحرب السريعة الى مخيم متناثر، كأكبر ملاذات النزوح في اليمن.

إنني هنا وعائلتي منذ 2017.

كأي مخيم، يحضر المكان محض تكثيف لمأساة إنسانية واحدة لألوف الضحايا. هو إذن حالة شعورية تتجسد ماديا في كيان جغرافي غير مرئي.. لا أحد يرى المخيمات سوى ساكنيه وضحايا الحرب القادمون في موجات جديدة.

في مأرب أكثر من مائتي مخيم نزوح، كما تقول الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، وهي تأوي في أقل تقدير رقمي ما يقارب مليوني نازح.

إجمالا، أنزحت الحرب نحو خمسة ملايين يمني، إنهم شعب الخيام، وأنا أحد مواطنيهم.

المنظمات الدولية المعنية بإسناد متضرري الحرب في أي بلدان الحروب والنزاعات المسلحة، ليست كما هي في اليمن المطحون برحى عشر سنوات من الحرب.

هي لا ترى المخيمات هنا، إلا شزرا صدفة عين، وحضورها شكلاني وموسمي، ويعمل عابرا على ضفاف الحرائق والسيول.

السلطة المحلية في مأرب الغنية بالنفط، تقول إن قدراتها أقل من تحديات مواجهة الضغط السكاني الهائل الذي حدث ضمن انفجارات الحرب. المدينة التي كانت شبه خالية من السكان صارت في ذروة الاكتظاظ البشري.

ومع استطالة أمد الحرب تتقلص فرص العودة إلى الديار المهجورة قسرا، بعضها مدمر ومنسوف عمدا. إنه اغتراب سيطول حد الإقامة، لكن المخيم مكان مرتبك، أو هو اللامكان، بما أنه لا يقدم ضمانات حياة آمنة فضلا أن تكون مستقرة.

هو الخوف الجمعي الشارد من النار، المتكدس بشكل عشوائي كحالة طوارىء، كوجود هامشي ومستعجل، في مساحات رمادية على أرض طالما لعلعت فيها رصاص الصراع على الأراضي.

إذن أين يذهب النازحون إذا لم تضع الحرب أوزارها، وتاهت البلاد في زمن زلق بين نصف الحرب ونصف السلام.

الهدنة الشكلية التي تتموضع على حبل رفيع قد تنقطع في أي وقت، ولا تعني عودة الحرب سوى فقدان النازحين لحق العودة إلى مراتع الصبا والبارود.

ثمة توجس غير معلن في المجتمع المحلي المضيف، عن تغيير ديمغرافي قد يحدث جراء النزوح طويل الأمد، ناهيك عن البقاء المستقر للنازحين في اللامكان، في المخيم.

يبرز مثل هذا التوجس في حساسية غير معلنة، لكنها عملية، حيث لا يتم تسجيل أبناء النازحين الذين ولدوا في مخيمات مأرب، باعتبارهم من مواليد المحافظة: مأرب.. الأرض التي اتسعت لملايين النازحين الباحثين عن وطن في سنوات الحرب، وضاقت عند شهادة الميلاد لطفل جديد، يضحك.