نجح المواطن اليمني الأربعيني عبدالرحمن الظمين في زراعة القمح بطريقة بدائية بمزرعته الواقعة في مديرية الزاهر بمحافظة الجوف، بعد أن غادر العاصمة صنعاء وتوقّف عن مواصلة دراساته العليا إثر اندلاع الحرب في اليمن، وانقطاع رواتب موظفي الدولة أواخر العام الذي يليه، وسط اهتمام يمني متوارث عبر التاريخ بزراعة المحصول.
يقول عبدالرحمن لـ"يمن بلاتفورم" إن "مؤسسة الحبوب اشترت كيس القمح وزن 50 كيلوغرامًا من المزارعين بسعر 18 ألف ريال في العامين الماضيين (ما يعادل 35 دولارًا بسعر الصرف في صنعاء)، وهذا العام بسعر 17 ألف ريال، رغم مطالبتي وبقية المزارعين في منطقتي للمؤسسة بشراء الكيس وزن 50 كيلو بسعر 20 ألف ريال".

ومع الدعوات لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، إلا أنّه يُزرع في المحافظة بطريقة بدائية لا تسهم في "تحقيق الاكتفاء الذاتي"، الذي يتطلّب ــ وفقًا للظمين "القيام بشراء القمح من المزارعين بأسعار مناسبة تشجّعهم على التوجّه نحو زراعته، وقد قطعنا في هذا الجانب شوطًا لا بأس به، إضافةً إلى استصلاح أراضٍ مناسبة للتوسّع في زراعة القمح بدلًا من القات والحمضيات، واستخدام طرق ريّ حديثة وتوفيرها للمزارعين بدلًا من الريّ التقليدي، وإدخال حصّادات كبيرة لحصاد المحصول للحدّ من مشكلة ارتفاع أسعار ساعات الحصّادات التي تتراوح ما بين 10 و14 ألفًا للساعة".
يؤمن الظمين بأنّ تشجيع مزارعي القمح ودعمهم بسخاء للتوسّع في زراعته بالمحافظة وبقية المحافظات اليمنية الأخرى يُعدّ خيارًا استراتيجيًّا لتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المحافظة والوطن بشكل عام.
يبلغ نصيب الفرد اليمني الواحد من القمح ما بين 100 و115 كيلوغرامًا في العام الواحد؛ ما يعكس فجوة كبيرة بين الإنتاج والاستهلاك.
ظروف زراعة القمح
ينصح المهندس الزراعي حسن محسن بزراعة القمح في كافة الأراضي الطينية الخفيفة الخالية من الأملاح بمحافظة الجوف؛ بحسب ما ذكره لـ"يمن بلاتفورم".
ويحثّ حسن جميع مزارعي القمح على زراعته بعد زراعة أحد المحاصيل البقولية للاستفادة من النيتروجين الجوي الذي يثبّته المحصول البقولي في التربة.
ويضيف: ومع ذلك يمكن زراعة القمح في أيّ نوع من أنواع التربة شريطة أن تكون غير حامضية أو غير قلوية أكثر من اللازم، وذات قدرة على الاحتفاظ بالماء أو تصريفه بشكل جيّد ومعتدل؛ لأنّ القمح يتأثّر بشكل كبير باحتباس الماء داخل التربة. إذ تُعدّ التربة الطفلية أو الطينية أو الطميّة ملائمة لزراعته.
وتُعدّ درجة الحرارة المثالية لنموّ القمح ما بين 10 و25 درجة مئوية، فيما تتراوح درجة الحرارة الصغرى بين 3 و4 درجات؛ وفق حسن.

الهضبة الشرقية
تقع محافظة الجوف، التي تتميّز بمساحاتها الشاسعة وأراضيها الصالحة للزراعة، ضمن إقليم الهضبة الشرقية الذي يشكّل نحو 26% من المساحة الزراعية في اليمن، و19% من قوة العمل الزراعية؛ حسب دراسة حديثة أعدّتها مؤسسة روّاد اطّلع عليها "يمن بلاتفورم".
توسّع زراعة القمح
ووسط استمرار الحرب التي دخلت عامها الحادي عشر، تتوسّع رقعة الأراضي الزراعية في محافظة الجوف (143 كيلومترًا شمالي شرق صنعاء) على نحوٍ جعلها تتصدّر بقية المحافظات في إنتاج القمح؛ فقد بلغت المساحة المزروعة خلال الموسم الزراعي الحالي 2024–2025م، 12 ألف هكتار، مقارنةً بسبعة آلاف هكتار في الموسم الماضي، بنسبة زيادة تجاوزت 40%، حسبما أعلنته وزارة الزراعة بصنعاء.
وتوزّعت المساحة المزروعة إلى جزأين؛ إذ زرع المواطنون حوالي 10 آلاف هكتار لإنتاج حبوب القمح، فيما خُصِّص ألفا هكتار لزراعة بذوره وإنتاج 12 ألف هكتار، وفق بيانات أعلنتها المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب.
ولأول مرة بلغت المساحة المزروعة بالقمح في المحافظة 6 آلاف هكتار، بواقع إنتاج يصل إلى 5–6 أطنان من المحصول لكل هكتار، فيما قُدّرت كمية إنتاج تلك المساحة بنحو 10 آلاف و200 طن من القمح، وبمتوسط إنتاج للهكتار الواحد يبلغ نحو ثلاثة أطنان؛ حسب وزارة الزراعة بعدن.

انعدام الأمن الغذائي
ورغم ذلك، يبلغ معامل الأمن الغذائي لمحصول القمح نحو 0.1 خلال الأعوام 2003–2020، ما يشير إلى انعدام الأمن الغذائي لمحصول القمح في اليمن؛ ما يتطلّب زيادة معامل الأمن الغذائي من القمح ليصل إلى (0.5) حتى تكون الكميات التخزينية كافية لمدة ستة أشهر على الأقل، والعمل على بناء صوامع تخزين للقمح في جميع المدن، والاهتمام بالمحافظات المنتجة له وفي مقدّمتها الجوف وصنعاء وذمار وإب، وتشجيع زراعته فيها مع توفير الإمكانات المناسبة من قبل الجهات المعنيّة؛ وفق دراسة علمية أعدّها الدكتور نبيل حيدر، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة ذمار.
وأوصت الدراسة بالتوسّع في زراعة القمح والاهتمام بمحافظة الجوف، وإدخال مساحات جديدة، واستخدام أصناف عالية الإنتاجية، وترشيد الاستهلاك الغذائي وتغيير أنماطه، والعمل على اتباع الوسائل التي ترفع معدل معامل الأمن الغذائي من القمح في البلاد.
مقوّمات زراعية
يؤكد المختصّون أنّ المقوّمات الزراعية الأهم للمحافظة التي تبلغ مساحتها نحو 39.4 ألف كيلومتر مربع (أي 7.2% من إجمالي مساحة البلاد) تتمثّل بالمساحة الواسعة من الأراضي الزراعية الخصبة، ووفرة المياه الجوفية التي تلبّي احتياج زراعة القمح.
واعتبروا أنّ زراعة القمح في المحافظة ارتفعت بنسبة 70% منذ عام 2022.
تحسين الأمن الغذائي
تضمّنت خطة الأمن الغذائي التي وضعتها الحكومة اليمنية المعترف بها التوسّع في زراعة القمح بمحافظات الجوف ومأرب وحضرموت، في سبيل تحسين الأمن الغذائي المحلي خلال الأعوام 2022 إلى 2027.
وتهدف الخطة إلى توفير القمح عبر زيادة مساحة زراعته من نحو 60 ألف هكتار إلى 170 ألفًا، وتأمل أن ترافقها زيادة في إنتاج القمح إلى 510 آلاف طن في السنة، وتقليص الفجوة الغذائية إلى 83% مقارنةً بـ96% حاليًّا.
وتُظهر البيانات الرسمية أنّ اليمن ينتج سنويًّا 118 ألفًا و348 طنًّا فقط من القمح، في حين يستهلك نحو ثلاثة ملايين طن، فيما يبلغ نصيب الفرد اليمني الواحد من القمح ما بين 100 و115 كيلوغرامًا في العام الواحد؛ ما يعكس فجوة كبيرة بين الإنتاج والاستهلاك، وثقل فاتورة الاستيراد للقمح والدقيق التي تبلغ أكثر من 700 مليون دولار في العام الواحد، يُستورد أكثر من ثُلثَيها من روسيا وأوكرانيا.


