في واحدة من قمم جبل صبر الشاهق المطل على مدينة تعز، يقع مسجد "أهل الكهف" كمعلم تاريخي بارز في المحافظة الأكثر سكاناً باليمن، والتي تُوصَف بأنها العاصمة الثقافية للبلاد.
انطلاقًا من وسط مدينة تعز، يمكنك الوصول إلى مسجد أهل الكهف عبر مركبة خاصة في نحو 45 دقيقة، حيث تمر بمنعطفات متعرجة على جبل صبر وصولاً إلى قرية "المعقاب" التي تحتضن هذا المعلم، وتمتاز بارتفاعها الذي يبلغ نحو 3 آلاف متر فوق سطح البحر.

وتتحدث بعض الروايات أن هذا المسجد قد بُني فوق رفات "أهل الكهف" الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم في سورة الكهف تحديداً، بينما تنفي روايات أخرى ذلك.
ويضم المسجد، بشكله الحالي، مساحة للصلاة ذات سقف وأعمدة خشبية وبدون نوافذ، إلى جانب منارة بارتفاع عدة أمتار، وبركة تتجمع فيها مياه الأمطار كان المصلّون يستخدمونها للوضوء أو الغُسل.
ويحتوي المسجد على ضريح لباحث إسلامي يُدعى عبد الرحمن بن بكر، حيث تشير بعض الروايات إلى أنه جاء من الجزائر للبحث عن موقع قصة "أهل الكهف" المذكورة في القرآن الكريم، لكن لا يوجد تاريخ محدد لوفاته.
ويُعد هذا المسجد واحدًا من المعالم الدينية والتاريخية التي يحرص كثيرون على زيارتها، سواء من داخل المحافظة أو من خارجها.

وتعدّدت روايات المؤرخين حول موقع أهل الكهف؛ فثمة من قال إنه في اليمن، وآخرون قالوا في سوريا، بينما تحدّثت روايات عن وجود الموقع في تركيا، لكن دراسات عدة ترجّح أن الموقع موجود في الأردن.
ويرى الباحث في التاريخ اليمني بلال الطيب أن الاعتقاد بوجود علاقة بين المسجد و"أهل الكهف" المذكورين في القرآن الكريم هو "مجرد حكاية شعبية متداولة، ذات صلة بالأساطير وليس بالحقائق التاريخية، مثل حكايات جبل النبي شعيب وقرية عاد، وما شابه من أساطير لا علاقة لها بالتاريخ".
وحول تاريخ بناء مسجد أهل الكهف، أفاد الطيب في حديثه لـ"منصة اليمن" بأنه وجد إشارة عابرة في كتاب "العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية" للمؤرخ علي بن الحسن الخزرجي، ذكر فيها أن نبيلة بنت الملك المظفر يوسف بن عمر الرسولي قد بنت مسجدًا في جبل صبر في نهاية القرن السادس الهجري.
وقد حكمت الدولة الرسولية من عام 1229 حتى 1454، وأسسها عمر بن رسول، وبسطت نفوذها على مساحات جغرافية واسعة امتدت حتى الحجاز وظفار، واتخذت من مدينة تعز عاصمة لها.
ولم يذكر الخزرجي اسم المسجد الذي بنته نبيلة بعد وفاة والدها، لكن الباحث الطيب يرجّح أن يكون المقصود هو مسجد أهل الكهف.

وأشار الطيب إلى أن معالم بناء المسجد تعود إلى عهد الدولة الرسولية، وكان أول ذكر تاريخي لجامع "أهل الكهف" قد أورده المؤرخ عبد الصمد الموزعي في كتابه "الإحسان في دخول مملكة اليمن تحت ظل عدالة آل عثمان"، حيث ذكر أن الوالي العثماني حسن باشا تولّى ولاية اليمن سنة 989 هـ، وشقّ طريقًا من باب موسى وسط مدينة تعز مرورًا بعدة مناطق، بينها مشرعة وحدنان، حتى مكان المسجد.
واعتبر الطيب تشييد هذه الطرق دليلاً على الأهمية التاريخية والدينية والثقافية لهذا المسجد، لا سيما أن العثمانيين عُرفوا باهتمامهم ببناء المساجد والقباب.
وإلى جانب مسجد أهل الكهف، تزخر تعز بعدد من المساجد التاريخية والآثار، غير أنها تعاني من الإهمال بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن.