لطالما مثّل الوعل رمزاً راسخاً لدى اليمنيين عبر التاريخ، مقترناً بالشجاعة والمهارة والفخر القبلي، ولا سيما في محافظة شبوة التي عُرفت بتبجيله وثرائها بالحياة البرية النادرة المهددة بالانقراض. وعلى الرغم من ذلك، تتسع عمليات الصيد الجائر لهذه الأنواع وتحظى برواج شعبي كبير، مستندةً إلى المرويات والأشعار الشعبية القديمة التي كرّست مكانة الصياد واعتبرته رمزاً للرجولة، ما جعل الصيد نشاطاً اجتماعياً وثقافياً متوارثاً.

ومع أن الأعراف القبلية وضعت قوانين وحدوداً لهذه الظاهرة، إلا أنها تراجعت كثيراً في الوقت الحاضر، مما دفع السلطات المحلية إلى فرض قرارات صارمة لمكافحة العبث الجاري في مواطن الحياة البرية. وفي موازاة ذلك، برزت جهود واضحة للمجتمع المدني عبر المبادرات وحملات التوعية التي تحاول تحقيق التوازن بين الاعتزاز بالإرث والقيم الثقافية التي تركها الأجداد، وبين الحاجة إلى الحفاظ على البيئة.
صراع الهوية الثقافية
تتمتع محافظة شبوة بتنوع بيئي فريد يجمع بين السواحل الجذابة، والصحراء الذهبية، والجبال التي تحتضن أنواعاً نادرة مثل النمر العربي والوعل وقط الزباد. غير أن هذا التنوع، على فرادته، لم يُستوعب أو يُقدَّر كما ينبغي، بل ارتبط في الذاكرة الشعبية بعادات لم تعد تلائم العصر. والمفارقة أن الأجداد كانوا أكثر حرصاً على هذه الثروة، ولولا عنايتهم لما ظل الوعل حاضراً حتى اليوم، مقارنة بما يمارسه بعض شباب الحاضر من صيد جائر يهدد ما تبقى.
يشكّل الصيد جزءاً من هوية المجتمع الشبواني منذ القدم، وواحدة من أهم العادات الاجتماعية المتجذرة فيه. قديماً، كانت هذه الممارسة تحمل قدراً كبيراً من المنافسة بين فرق الشباب والمجتمع ككل، وكأنها مبارزات يُحتفى بمن يتفوق بأكبر عدد من الوعول المصطادة. حتى إن المنافسة قد تتجاوز إطار فريقين في المنطقة ذاتها لتصل إلى تنافس بين منطقتين أو أكثر: من يصطاد أكثر؟ ومن يصطاد أكبر وعل؟
ونشأت بالتوازي مع هذا التنافس أهازيج ورقصات شعبية خاصة قد تستمر ثلاثة أيام بعد الانقضاض على الفريسة والفوز بأكبر عدد. وتتشابه هذه العادة مع ممارسات موجودة في محافظة حضرموت التي تعاني هي الأخرى من صيد جائر للوعل وحيوانات نادرة أخرى.
والمثير للانتباه أن أبناء مديرية الروضة في شبوة كانوا يؤرخون بأعوام اصطياد الوعول. فبحسب روايات كبار السن، كان القدماء يحددون الأحداث بحسب العام الذي صِيد فيه الوعل ذو القرون الكبيرة: فيقولون "سنة الوعل الكبير وُلد فلان" أو "تزوج فلان" أو "توفي فلان". وقد تختلف التسميات بحسب تصنيفات الوعول أو أوصافها.
كما كانت رؤوس الوعول وقرونها تُعلَّق في المباني الطينية القديمة، حيث تُزيَّن أركان المنازل بها احتفاءً بها ودلالة على ارتباط المجتمع بهذا التراث. ومع ذلك، ورغم هذه الممارسات، وضع الأجداد وثيقة تاريخية تهدف إلى حماية الوعول من الصيد الجائر، في إطار نظام قبلي وعرفي سبق بروحه قوانين العصر الحديث.
هذه الوثيقة، التي تُعرف باسم "الشماية" بحسب الباحث عيضة بن عبد العزيز، هي نظام عرفي قبلي ينظم الصيد في مناطق الوعول، ويحدد الكمية المسموح بها، ويمنع صيد الإناث والصغار. كما ينظم تقاسم الصيد وحل النزاعات بين الصيادين. وهو نظام متوارث شفوياً، لم تُكتب نصوصه، لكنه انتقل عبر الأجيال في مديريتي عرماء والروضة والمناطق المجاورة.
اليوم يعيش شباب شبوة صراعاً حقيقياً بين من يرى الصيد موروثاً اجتماعياً وعادة قديمة لإثبات القوة والرجولة وتعزيز المكانة، وبين حقيقة أن هذه الممارسة في الماضي كانت منظمة ومنضبطة بأعراف، وليست عشوائية كما هو الحال الآن، خاصة في ظل القوانين والعقوبات التي سنتها السلطات المحلية.

جهود الحماية وممانعة المجتمع
في مواجهة الصيد الجائر، اتخذت السلطات المحلية في شبوة عدة خطوات للحد من الظاهرة، بدءاً من إصدار قرارات رسمية تمنع الصيد العشوائي، مروراً بتدخل مدير الأمن ومدراء المديريات في المناطق التي ينتشر فيها الصيد، وصولاً إلى إحالة المخالفين إلى النيابة خلال السنوات الأخيرة، والتعاون مع المجتمع المحلي لمنع أي ممارسات تهدد التوازن البيئي.
إلى جانب ذلك، أطلقت مبادرات محلية حملات توعوية في هذه المناطق، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع، لتوعية المواطنين بخطورة فقدان التنوع البيولوجي وحماية الحياة البرية في المحافظة التي تضم حيوانات مهددة بالانقراض، مثل الوعل والنمر العربي وقط الزباد والوشق.
ورغم هذه الجهود، يواجه العاملون في التوعية صعوبات كبيرة في تغيير سلوك المجتمع، طالما أن كثيرين يرون الصيد امتداداً للتراث والعادات القديمة. ويصف علي البعسي، أحد العاملين في منظمة شباب شبوة، الأمر بأنه "فعل ورد فعل"، إذ لا تتوافق الحملات التوعوية غالباً مع قناعات المجتمع الذي يعتبر أن ما يقوم به اليوم لا يختلف عما قام به الأولون.

بين التراث والتهديد
يمثل الصيد الجائر في شبوة تهديداً حقيقياً للحياة البرية والتنوع البيولوجي، ليس فقط لأنه يفتك بأعداد كبيرة من الحيوانات النادرة مثل الوعل والوشق والنمر العربي والغزال، وإنما لأنه يخل أيضاً بالتوازن الطبيعي للنظام البيئي. لذا، بات رفع الوعي المجتمعي بخطورة هذه الظاهرة ضرورة ملحة، إذ لا يمكن لأي جهود رسمية أو مدنية أن تنجح دون أن يتخلى المجتمع نفسه عن روح التفاخر المرتبطة بقتل هذه الكائنات.
لكن بلوغ هذا الوعي الجمعي أمر شديد الصعوبة في واقع يعزز من شأن هذه الممارسات ويمنح منفذيها مكانة اجتماعية ورمزية، متجاهلاً الأعراف القديمة التي كانت تنظم الصيد وتحد من فوضويته.
كما يواجه العاملون في حماية البيئة والرصد تحديات كبيرة داخل مجتمع لا يتقبل حضورهم بسهولة، ما يضطر بعضهم إلى العمل بسرية في عمليات الرصد والتفاوض مع الصيادين، تجنباً للنظرة الاجتماعية التي تستغرب دورهم. وإلى جانب محدودية الموارد والإمكانات اللوجستية وضعف الدور الرسمي، يتحمل هؤلاء تكاليف المواصلات من نفقاتهم الشخصية. ومع غياب الإحصاءات الرسمية وخارطة انتشار الظاهرة من قبل الهيئة العامة للبيئة في المحافظة، تزداد مهمتهم تعقيداً.
يُضاف إلى ذلك أن الموروث الشعبي ما يزال يمجّد الصياد ويمنحه حيزاً واسعاً من القوة الرمزية والتفاخر، مما يزيد من صعوبة جهود الحماية.
حماية الحياة البرية مسؤولية جماعية تتكامل فيها السياسات الرسمية مع الجهود المجتمعية، بما يضمن صون التنوع البيئي والحفاظ على التوازن بين صون التراث واحترام البيئة.

