تـابعـنـــا
Facebook IconTwittter IconInstagram Icon

المهندسة الزراعية سلمى العماري تنشر ثقافة الزراعة في أسطح المنازل

من سطح منزلها في العاصمة صنعاء، انطلقت فكرة خضراء لتصبح مبادرة مجتمعية رائدة لنشر ثقافة الخُضرة والجمال وسط المنازل.

تتجوّل المهندسة الزراعية سلمى العماري بين نباتاتها الجميلة في سطح منزلها بصنعاء، مستفيدة من شغفها وأسرتها بالزراعة والخُضرة، إضافةً إلى دراستها الجامعية في تخصص البساتين والغابات، ليتحوّل الشغف إلى مشروعٍ عملي بدأته من فناء منزلها، ثم انتقلت بعد ذلك إلى السطح، حيث ازدهرت عشرات الأنواع من النباتات المنزلية ونباتات الزينة، بفضل إتقانها طرق العناية الصحيحة بها، وأساليب الريّ المناسبة، وحمايتها من الآفات، وتوفير الأجواء الملائمة لنموّها.

تقول سلمى: "بعد التخرج عملتُ في أماكن عدّة بعيدة عن تخصصي، لكني لم أجد شغفي فيها. ثم قلت لنفسي: لماذا لا أبدأ مشروعًا يرتبط بمجال دراستي؟ وفعلاً بدأت بصنع مجموعة أصُص مزخرفة وملوّنة يدويًا، ونشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي. تفاجأت حينها بطلب أحد الزبائن لعشر أصص منها، وشعرت وقتها أن هناك من يقدّر وجود النباتات في المنازل، فانطلقت أكثر."

وتضيف: "حين زرعت أولى الشتلات في فناء المنزل، لم أكن أتخيل أن الفكرة ستكبر وتصل إلى الناس، وأجد هذا القبول الواسع. سرعان ما بدأت الطلبات تصلني لشراء شتلات صغيرة لزراعتها في المنازل، بل إن بعض العملاء استعانوا بي لتحسين مظهر أسطح منازلهم بإضافة نباتات زينة مناسبة وجميلة. عندها شعرت بسعادةٍ كبيرة."

تتجوّل سلمى العماري بين نباتاتها الجميلة في سطح منزلها بصنعاء، مستفيدة من شغفها وأسرتها بالزراعة والخُضرة

منذ عام 2021 أصبحت الزراعة بالنسبة لسلمى أسلوب حياة. فهي تستيقظ في الصباح الباكر لتطمئن على نباتاتها، وتشرب قهوتها بجانبها، وتعمل على سقيها وتشذيب أوراقها، وتتحدث إليها كما لو كانت صديقةً قريبة. تقول سلمى إنها تشعر بأن النباتات تفهمها وتبادلها الامتنان، وتمنحها السعادة والبهجة طوال يومها.

مع مرور الوقت، كبر مشروع سلمى أكثر، وبدأ الكثيرون بالإقبال على شراء الشتلات وتزيين منازلهم ومكاتبهم، وسؤالها عن طرق العناية الصحيحة بها. تفاجأ البعض بإمكانية وجود نباتات ظلّية مفيدة داخل المنزل دون أن تموت، تمنح المكان الجمال والهواء النقي. وأسهمت سلمى في تحويل كثيرٍ من المنازل إلى مساحاتٍ نابضة بالحياة، تملؤها النباتات الخضراء وتضفي عليها لمسةً حيّة وزاهية.

العلم والخبرة في خدمة المجتمع

تقدّم سلمى عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بأسلوبٍ علمي مبسّط يجمع بين المعرفة الأكاديمية والتجربة العملية، صورًا جميلة لنباتاتها وإرشاداتٍ تساعد المبتدئين على خوض تجربة الزراعة المنزلية.
وتوضح أن نجاح أي زراعة يبدأ من معرفة نوع النبتة، وهل تناسب العيش داخل المنزل أم خارجه، ثم اختيار التربة الملائمة، وتحديد احتياجات الريّ والإضاءة، والتعرّف على طرق الحماية من الأمراض والآفات.

وتضيف سلمى: "أكثر ما يواجه المبتدئين هو الخوف من موت النبتة، لذلك أحرص دائمًا على تقديم حلولٍ بسيطة وسهلة، وأشجعهم على التواصل المستمر معي وإرسال صور نباتاتهم حتى لا يشعروا أن العناية بالنباتات عبء، بل متعة يومية."

أبعاد بيئية وصحية

لم تقتصر رسالة سلمى على الجانب الجمالي فقط؛ فهي ترى أن إدخال المساحات الخضراء إلى المنازل يساهم في تحسين جودة الهواء، وتخفيف الضغط النفسي والتوتر، إلى جانب إضفاء لمسةٍ جمالية وحيوية على المشهد الحضري.
وتؤكد سلمى في حديثها لمنصة اليمن:

"النباتات قادرة على أن تكون صديقًا للإنسان، فعندما يعتني بها، فإنه يعتني بنفسه دون أن يشعر."

توضح الأخصائية النفسية والاجتماعية إشراق العميري أن وجود النباتات في المنازل لا يقتصر على البعد الجمالي فحسب، بل يمنح فوائد نفسية واجتماعية وصحية للأسرة بأكملها، خصوصًا للأطفال. فهي تساعد على تحسين المزاج، وتخفيف التوتر، وزيادة التركيز، فضلًا عن دورها الحيوي في تنقية الهواء عبر امتصاص السموم وإطلاق الأكسجين، مما يخلق بيئةً مريحة وصحية داخل البيت. كما أن الاهتمام بكائنٍ حي ورعايته يولّد شعورًا بالهدف، ويمنح صاحبه مكافأة نفسية متجددة.

البيوت اليمنية تتزيّن بالخُضرة منذ القدم

فكرة وجود الشتلات في المنازل اليمنية ليست وليدة اليوم؛ بل عادةٌ ضاربة في القدم. ففي منازل صنعاء القديمة، كانت النوافذ والشرفات تتزيّن بأحواض الفخار المليئة بالريحان والياسمين والنباتات المتسلقة، رمزًا للجمال واهتمام الأسرة ببيتها وراحتها ودفء ضيوفها. كانت النباتات تضفي على البيوت روحًا خاصة، وتمنح المدينة طابعًا إنسانيًا دافئًا وجمالًا ينسجم مع عمارة صنعاء القديمة، امتدادًا لعبق الريف ورائحة المشاقر والرياحين والتربة الرطبة.

لم تتوقف جهود المهندسة الزراعية سلمى العماري عند نشر الوعي عبر الإنترنت أو بيع الشتلات، بل تسعى إلى أن تصبح الزراعة فوق الأسطح وفي المنازل ثقافةً مجتمعية يمنية واسعة كما كانت في الماضي.
تقول سلمى:

"أتمنى أن يصبح كل بيت في صنعاء حديقة صغيرة، لأننا جميعًا بحاجة إلى أن نتنفس من قلب مدننا المكتظة، ولأن الزراعة تمنحنا سلامًا داخليًا نفتقده وسط صخب الحرب."

وبينما تواصل سلمى رحلتها مع مشروعها الزراعي، يتوسع تأثيرها يومًا بعد يوم، ليصل إلى منازل جديدة وأسقف بيوتٍ تتحوّل إلى حدائق غنّاء، تعكس قدرة المبادرات الفردية على صناعة التغيير، وتحويل المساحات الجامدة إلى مساحاتٍ خضراء نابضة بالحياة.