في ريف محافظة تعز جنوب غرب اليمن، كانت الطفلة هديل تجمع ثمار التين، لكنها لم تتمكن من تذوق أي منها، بعدما تعرضت لإصابة خطيرة جراء قذيفة أطلقها الحوثيون في يوليو 2017، أدت إلى دخولها في غيبوبة أشبه بالموت.
امتزجت دماء هديل بثمار التين حين أصيبت إصابة بالغة استوجبت بتر كفيها. لم تدرك ما حدث لها إلا في اليوم التالي، عندما استفاقت في قسم العناية المركزة بأحد مستشفيات مدينة تعز.

نجت هديل من الموت بأعجوبة، رغم النزيف الحاد الذي تعرضت له في قريتها الصغيرة "الكدحة"، التي تفتقر إلى مراكز صحية تساعد المدنيين في مواجهة مثل هذه الحوادث القاسية.
شهدت يوليو 2017 تصعيدًا في المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين، خلفت العديد من القتلى والجرحى على الجانبين.
وفي مارس 2021، استعاد الجيش الحكومي السيطرة على منطقة "الكدحة" التابعة لمديرية المعافر غرب تعز.
كانت هديل حينها تبلغ من العمر 12 عامًا، وأثّرت عليها تبعات فقدان كفيها بشدة، حيث كانت تتساءل مع نفسها وأقاربها: كيف سأعيش من الآن؟ كيف سأأكل؟ كيف سأكتب وأمسك القلم؟
مرت سنوات صعبة على هديل التي تبلغ اليوم 20 عامًا، ورغم الدعم المجتمعي، كانت تنزعج عندما يسألها الأطفال: أين يداك؟ من يطعمك؟ من يسقيك؟ والأكثر إيلامًا حين قالت إن أحدهم وصف وضعها قائلاً: "الموت أهون لك من حالتك".
لكنها لم تستسلم، بل اتخذت من التعليم ملاذًا لها، فواصلت دراستها بحماس حتى حصلت عام 2023 على معدل 95.50 في شهادة الثانوية العامة.
تصف هديل لحظة إعلان النتيجة قائلة: "شعور لا يوصف، فرحة غامرة لم أشعر بها من قبل، إنها فرحة العمر".
كان تفوقها نقطة تحول، ودافعًا قويًا نحو مستقبل أفضل وتحقيق أحلامها.
في 2024، التحقت هديل بكلية الإعلام في جامعة تعز، إحدى أكبر جامعات اليمن. تقول: "اخترت تخصص الإعلام عن قناعة، فحلمي أن أكون إعلامية كبيرة تبرز القضايا المهمة للفتاة اليمنية، خصوصًا ذوات الإعاقة اللواتي يحتجن للدعم".
ورغم الصعوبات، تبدو هديل دائمًا مبتسمة ومتفائلة، كما يشهد زملاؤها.
هديل واحدة من آلاف اليمنيين الذين فقدوا أطرافهم بسبب الحرب. وفي مطلع 2022، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن حوالي 150 ألف شخص في اليمن بحاجة إلى أطراف صناعية جراء الإعاقة الناتجة عن الحرب.

وفي سياق حديثها عن آمالها المستقبلية تتابع هديل "من بين أحلامي أن يكون لدي مشروع خاص يساعدني في الاعتماد على ذاتي، وأن أعمل لكي لا أكن عالة على الآخرين".
وتوجه هديل رسالتها لذوي الإعاقة في اليمن قائلة " يجب أن تكونوا أقوياء.. واجهوا التحديات بكل حب وشغف وإرادة وإصرار".
وأضافت "مهما كان نوع إعاقتكم، تستطيعون بالإصرار صنع المستحيل.. الإعاقة هي في العقل فقط".
وتوجه رسالتها لجميع اليمنيين واليمنيات" رغم الصعاب والتحديات يبقى الأمل دائماً موجود.. ما زال شعبنا مكافحا من أجل لقمة العيش والأمان، وكلي أمل في أن تنتهي الحرب وتنخفض الأسعار وينتشر التعليم من أجل تحقيق السلام والازدهار".