تـابعـنـــا
Facebook IconTwittter IconInstagram Icon

منال الأشول.. الطريق الشاق نحو حقوق ذوي الإعاقة

لم تكن هذه المرة الأولى التي يُغلق فيها الباب أمام منال الأشول، لكنها كانت من أكثرها إيلاماً.

عام 2009، اختيرت الشابة الصمّاء من مدينة تعز، للمشاركة كمدرّبة في دورة تدريبية لرياضة تنس الطاولة بالعاصمة صنعاء. مثلت منال محافظتها ضمن فريق من أربعة مدرّبين، وكانت تلك فرصة واعدة لتطوير مسيرتها كمدربة للرياضه المدرسية.

لكن الحماسة سرعان ما تحوّلت إلى خيبة أمل. قررت اللجنة المنظمة استبعادها، بحجة أن وجود مدرّب أجنبي وغياب أجهزة ترجمة قد يعيق تواصلها مع الفريق.
"لم يناقشني أحد، ولم يسألوني كيف يمكن حل المشكلة. فقط قرروا استبدالي"، تقول منال.

هذه الحادثة لم تكن استثناء. مراراً وتكراراً، وجدت منال نفسها في مواجهة تحامل مجتمعي وإقصاء صريح بسبب إعاقتها.
لكن رغم النكسات المتكررة، بقيت مصمّمة على مواصلة الطريق. "كلما أُغلق باب، فُتح آخر".

حققت منال الأشول مراكز متقدمة في بطولات مختلفة للشطرنج

دعم أكاديمي ومساندة إنسانية

وجدت منال العزاء في دعم أساتذتها خلال مسيرتها الأكاديمية، خصوصاً أثناء دراستها للدكتوراه. وتستذكر: "كان المشرفون يعاملونني كأفضل طالبة لديهم. كانوا دائماً يدعمونني ويجعلونني أشعر أنني فرد مهم في الفريق، رغم التحديات التي أواجهها يومياً".

بالنسبة لها، كانت كلمات الدعم والتشجيع بمثابة دافع معنوي ساعدها على الاستمرار في مسيرتها العلمية والمهنية.

لم تقتصر التحديات التي تواجهها منال على العمل أو التعليم. فقد عاينت عن كثب واقع الأشخاص ذوي الإعاقة في أنحاء اليمن.
"أكبر الحواجز التي نواجهها ليست الإعاقة ذاتها، بل نظرة المجتمع إلينا"، تشدّد منال. وتضيف: "الناس ينظرون إلينا بعين الشفقة، كأننا أقل من غيرنا. والحقيقة أننا نمتلك قدرات خاصه بنا، لكننا بحاجة فقط إلى التسهيلات المناسبة".

ذوو الإعاقات الحركية، على سبيل المثال، يواجهون يومياً صعوبات في التنقل. "حتى اليوم، لا يستطيع مستخدمو الكراسي المتحركة الصعود إلى الحافلات بسبب غياب المنحدرات. يضطرون للاعتماد على سيارات الأجرة، التي ترهقهم مالياً وتُحرمهم من حقوقهم الأساسية في التعليم والعمل والتنقل".

الأمر لا يقتصر على النقل. تلفت منال إلى أن كثيراً من الأشخاص ذوي الإعاقة يُحرَمون من وظائف مكتبية، لأن المباني غير مهيّأة، ولا تتوفر مصاعد أو مداخل مناسبة.
وتقول: "لا توجد منحدرات لذوي الإعاقة الحركية ولا ممرات مساعده  للمكفوفين، ولا مترجمو لغة إشارة في المكاتب الحكومية، ولا أماكن مخصصة لوقوف سيارات ذوي الإعاقة. كأننا غير موجودين أصلاً".

تحديات أكبر في المناطق الريفية

في المناطق الريفية، يزداد الوضع سوءاً. الجامعات اليمنية لا توفّر التسهيلات اللازمة للطلاب الصمّ، بينما يجد كثيرون منهم أنفسهم مجبرين على الالتحاق بجامعات خاصة رغم الضغوط المالية.

وتشير منال إلى مبادرة سابقة لجامعة تعز هدفت إلى دمج الطلاب الصمّ في التعليم العالي. لكنها تقول: "لم يكن هناك مترجمون، ما جعل عملية التعلم صعبة للغاية".

ترى منال الأشوال أن رفع نسبة التوظيف المخصصة لذوي الإعاقة من 5% إلى 10% لا يعد كافياً

الحرب... وتعميق الأزمة

فاقمت الحرب في اليمن هذه التحديات، وزادت من هشاشة وضع الأشخاص ذوي الإعاقة.
أدّى النزاع إلى إغلاق العديد من الخدمات الخاصة بهم، بما في ذلك وسائل النقل وبرامج الدعم السكني للطلاب القادمين من الأرياف.

"الكثير من الطلاب الموهوبين من ذوي الإعاقة حُرموا من مواصلة تعليمهم أو حضور فعاليات دولية بسبب الحرب. إنه أمر محزن للغاية"، تقول منال.

رغم هذه الظروف، توجد في اليمن قوانين يفترض أن تحمي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
ففي عام 1999، أُقرّ قانون رقم 61 لحمايتهم وتأهيلهم. كما وقّعت البلاد على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2009.

لكن منال تؤكد: "منذ توقيع الاتفاقية، لم يُقدَّم أي تقرير رسمي حول التقدّم في تطبيق السياسات، وبقيت هذه الاتفاقيات حبراً على ورق".

حتى مؤتمر الحوار الوطني الذي كان يُفترض أن يناقش قضايا ذوي الإعاقة، فشل في تمثيلهم بشكل كافٍ.
"شريحة تمثّل نحو 12% من سكان اليمن كان نصيبها عضوان فقط في مؤتمر الحوار الوطني. كان ينبغي أن نحظى بتمثيل أوسع وأكثر تنوّعاً"، تقول منال.

وتستطرد: "حتى حينما تُسنّ سياسات جديدة، كثيراً ما تكون غير كافية. رفع القانون نسبة التوظيف المخصصة لذوي الإعاقة من 5% إلى 10%، لكن ذلك لا يكفي".

ورغم بعض الجهود لتحسين الخدمات في مرحلة ما قبل الحرب، أدّى النزاع إلى تقويض الكثير من تلك المكاسب.

رغم النكسات المتكررة، بقيت منال مصمّمة على مواصلة الطريق

طريق طويل أمام التغيير

بالنسبة لمنال، لا يزال الطريق نحو المساواة وإمكانية الوصول طويلاً ومليئاً بالعقبات. لكنها، رغم كل شيء، تحافظ على قدر من الأمل. "هناك مؤشرات إيجابية، ولو أنها صغيرة. وأنا ممتنّة للدعم الذي أتلقّاه من محيطي. لكن النظام ككل ما زال بحاجة إلى إصلاح شامل".

قصة منال ليست سوى مثال واحد على التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في اليمن.
رغم تحقيق بعض التقدّم، لا يزال المطلوب كثيراً. الحرب فاقمت الأوضاع، لكنها في الوقت ذاته سلّطت الضوء على الحاجة المُلحّة لإصلاح هذا الملف.

"في النهاية، أكبر الحواجز ليست إعاقاتنا، بل مواقف من حولنا. عندما يعترف المجتمع بقيمتنا وحقوقنا، سيكون ذلك بداية التغيير الحقيقي"، تختم منال.