مع دخول فصل الشتاء، تتزيّن مزارع البرتقال في محافظة مأرب، شمال شرقي اليمن، بثمار البرتقال الذهبية، لتغذّي الأسواق المحلية بكميات كبيرة من الفاكهة الشتوية الطازجة، وتضفي نكهة مميزة على شتاء اليمنيين.
تشير تقديرات المزارعين إلى زيادة إنتاج البرتقال هذا الموسم رغم استمرار تحديات الحرب وتقلبات المناخ، وهو ما يعزّز موقع مأرب كأبرز المناطق اليمنية إنتاجًا للحمضيات، ويضمن وفرته على موائد اليمنيين طوال الموسم.

مزرعة ذهبية
تنتشر مزارع البرتقال في مختلف مديريات مأرب ذات المناخ الملائم لزراعة الحمضيات، لا سيما على ضفاف السد في مديريتي المدينة والوادي.
وتُعد مزرعة العاقل الواقعة في منطقة المنين جنوب مدينة مأرب، من أقدم وأوسع المزارع في المحافظة، إذ تأسست عام 1981 على مساحة 2 كم²، وتنتج عدة أصناف من الحمضيات ذات الجودة العالية والمذاق الفريد.
وبحسب القائمين على المزرعة، فقد بلغ عدد أشجار البرتقال فيها نحو 90 ألف شجرة في بداياتها، قبل أن يتراجع عددها إلى حوالي 50 ألف شجرة نتيجة الإهمال وتداعيات الحرب المستمرة منذ أواخر عام 2014.
تنتج المزرعة حاليًا بين 800 و900 طن سنويًا، ويصل عدد العمال فيها خلال الموسم إلى ما بين 150 و200 عامل.
زيارة المزرعة تتطلب تنسيقًا مسبقًا ووسيلة تنقل داخلها نظرًا لاتساعها، كما أن التعرّف على أقسامها وأجزائها المتناثرة والمترامية الأطراف يتطلب دليلًا ملمًّا بتفاصيلها، وخصوصًا أصناف الحمضيات ومواقعها.
موسم وفير
يقول صادق الجماعي، أحد العاملين في مزرعة العاقل، إن إنتاج البرتقال في مأرب هذا العام أفضل من المواسم السابقة؛ نتيجة الاستقرار النسبي في الأوضاع العامة. مضيفًا أن الموسم ما يزال في بداياته وأن الأسعار ممتازة.
ووفقًا للجماعي، فإن بعض أصناف البرتقال لا تنضج إلا بداية ديسمبر القادم، وهو الموعد الحقيقي للموسم الذي يستمر حتى مارس المقبل.
فيما يقول مدير عام مكتب الزراعة بمأرب، المهندس علي قاسم بحيبح، إن موسم زراعة البرتقال في مأرب يمتد على فترتين: سبتمبر–أكتوبر وفبراير–مارس، مضيفًا أن المحافظة “تشهد نشاطًا زراعيًا واسعًا”.
صدارة الإنتاج
تتصدّر محافظة مأرب المحافظات اليمنية في إنتاج البرتقال، ووفق المهندس عبدالجليل المغلس، مدير إدارة الإرشاد والتدريب الزراعي بمأرب، فإنها تساهم بنسبة كبيرة جدًا من إجمالي الإنتاج الوطني. موضحًا أن إنتاجها من الحمضيات (البرتقال واليوسفي والليمون الحامض) يصل إلى أكثر من 75% من إجمالي الإنتاج في اليمن.
ويُقدّر الإنتاج السنوي من الحمضيات في مأرب بأكثر من 150 ألف طن، حيث تزرع على مساحة تتجاوز 5 آلاف هكتار، ويتراوح متوسط إنتاج الهكتار الواحد بين 20 و30 طنًا سنويًا.
وطبقًا للمهندس بحيبح، فإن المساحة المزروعة بأشجار البرتقال في مأرب تقدّر بنحو 6 آلاف هكتار، ويصل إجمالي الإنتاج السنوي من البرتقال إلى نحو 240 ألف طن.

إنتاج متنوع
تشتهر مأرب بإنتاج عدة أنواع من الحمضيات. ووفقًا للمهندس المغلس، فإن البرتقال هو “المحصول الرئيسي”، ومن أصنافه المشهورة "أبو سرة" الذي يشمل أصنافًا عالمية مثل: واشنطن نيفل، نيوهال، نافيلينا، نافليت. إلى جانب البرتقال “العائدي” الذي يضم: "الفلنيشيا، السكري، أبو شوكة".
كما تُزرع أصناف متعددة من اليوسفي (الماندرين)، ومنها: الوزّان، وأبو فلس، والمعنق. ويأتي في المرتبة الثالثة “الليمون الحامض” بأنواعه: البلدي (البنزهير)، والعالمي المحسّن مثل "لشبونة" و"يوريكا".
تحديات متعددة
يواجه المزارعون "مشاكل لا تُحصى" كما أفاد الجماعي. موضحًا أن "أولها عدم توفر العلاجات المناسبة لمكافحة الأمراض التي تغزو أشجار البرتقال، وارتفاع تكاليف الأسمدة والمبيدات، وغياب الدعم للمزارع".
واستعرض تحديات أخرى تتعلق بالنقل والتسويق، وعلى رأسها إجراءات التفتيش والجبايات في النقاط المنتشرة على امتداد الطرق بين المحافظات.
وأمام هذه التحديات قال إن "المزارع يواجه المشاكل ويتحمل المسؤولية بنفسه ويحاول أن ينتج بقدر الاستطاعة."
واشتكى عدد من المزارعين، ومنهم محمد الحداد، عدم وجود سوق مركزي بمأرب لبيع وشراء الفواكه رغم حجم إنتاجها الكبير، وكذلك غياب التدخلات الرسمية لدعم المزارع، وتحديدًا فيما يتعلق بالوقود والإرشاد والتصدير.

تحديات بيئية وفنية
بدوره، أكد المهندس المغلس أن المزارعين يواجهون تحديات بيئية وفنية عديدة، منها ملوحة التربة ومياه الري، واستمرار استخدام الطرق التقليدية في زراعة الحمضيات، وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية كالأسمدة والمبيدات.
بالإضافة إلى "رداءة الأصول المستخدمة في إكثار أشجار الحمضيات، حيث إن 95% من أشجار الحمضيات مطعّم على أصل الليمون المخرفش"، والتي قال إنها "تؤثر في جودة الثمار ومقاومة الشجرة للأمراض".
وتترافق هذه التحديات مع آفات وأمراض منها: حشرة المن الأسود، والحشرة القشرية، والعناكب. إضافة إلى الأمراض الفطرية مثل تصمغ الساق وتعفن الجذور.
ورغم اعتماد بعض المزارع على سد مأرب، قال المغلس إن المناطق البعيدة تعاني من نقص المياه. وتطرّق إلى تأثيرات التغيرات المناخية، محذرًا من أن "ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى إجهاد النباتات وتأثير على الإنتاجية".
وبالنسبة للثمار، أوضح أن بعضها يواجه مشكلة في اكتساب اللون الطبيعي، حيث تُقطف أحيانًا خضراء مائلة للاصفرار بسبب الظروف المناخية وعدم حصولها على ساعات برد كافية خلال الموسم، مما يقلل من قيمتها التسويقية الخارجية.
وأكد وجود مشاكل هيكلية في التسويق تشمل ضعف تصدير وتسويق المحصول، إضافة إلى "عدم كفاءة البحوث الزراعية وكذلك الإرشاد الزراعي". وإلى جانب ذلك، قال إن "الظروف الاقتصادية والصراع أثّرت بشكل مباشر على عمليات الإنتاج والقدرة الشرائية".
خطة للنهوض
عن الدعم الحكومي، أكد مدير عام مكتب الزراعة بمأرب توقفه "بشكل شبه كامل" خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في مجال خدمات الإرشاد الزراعي ودعم مدخلات إنتاج الحمضيات. مشيرًا إلى أن المكتب بصدد “إعداد خطة متكاملة للنهوض بقطاع الحمضيات بهدف تحسين الإنتاجية، ورفع الجودة، وتوسيع فرص التسويق الداخلي والخارجي”.
ويؤكد بحيبح أهمية تعزيز الشراكة مع المنظمات الدولية والجهات الداعمة لتوفير تدخلات مستدامة تشمل: توعية المزارعين بأهمية تحسين أصناف البرتقال إلى أصناف ممتازة، ودعم المزارعين بالشتلات المحسّنة والأسمدة، ومكافحة الآفات الزراعية.
بالإضافة إلى "تشجيع القطاع الخاص على إنشاء وحدات فرز وتعبئة وتغليف وتصدير منتجات البرتقال"، وكذلك "تحسين شبكات الري، وترشيد استخدام المياه، ورفع قدرات المزارعين من خلال برامج تدريب وإرشاد متخصص".
واختتم حديثه قائلًا: "نعمل جاهدين من أجل تطوير قطاع الحمضيات في مأرب بما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي وتنمية الاقتصاد الزراعي بالمحافظة".

محصول نقدي
يُعد البرتقال من المحاصيل النقدية المهمة مقارنة مع حجم تكاليف زراعته، وتتفاوت أسعاره وفقًا لحجم الإنتاج والتسويق.
يقول المزارع الجماعي إن السنوات التي تشهد زيادة في النشاط الزراعي وتكون فيها البساتين محمّلة بالثمار يحدث فيها ركود في السوق؛ نتيجة لغياب التصريف والتصدير للمنتجات، مما يسبب خسائر للمزارعين والتجار.
من جانبه، يقول حافظ عبدالله، مالك بسطة في مدينة مأرب، إن البرتقال المأربي هو الأكثر وفرة في الأسواق، مضيفًا أن الزبائن يقبلون عليه بشكل كبير لجودته وسعره المناسب. موضحًا أن سعر الكيلو جرام من البرتقال حاليًا يتراوح بين 700 و1500 ريال يمني بحسب النوع، متوقعًا انخفاض السعر أكثر مع ذروة الموسم.
خيار أمثل
إلى جانب المحاصيل النقدية الأخرى التي تنتجها مأرب، يمثّل البرتقال مصدر دخل أساسي لآلاف الأسر التي تعتمد على زراعته وتسويقه. ويؤكد المهندس بحيبح أن هذا القطاع الحيوي "من أهم مصادر الدخل للمزارعين ويشكّل رافدًا اقتصاديًا مهمًا للمحافظة".
ومع ارتفاع أسعار الفواكه الأخرى (المحلية والمستوردة)، يظل البرتقال المأربي الخيار المفضل لليمنيين لجودته ونكهته الطبيعية وسعره المناسب، مؤكّدًا حضوره ومكانته كأحد أبرز ملامح الشتاء اليمني.


